في تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في 18 ديسمبر 2023، خلصت فيه إلى أن حكومة الاحتلال الإسرائيلية تستخدم تجويع المدنيين أسلوبا للحرب في قطاع غزة المحتل، ما يشكل جريمة حرب. يتعمد الجيش الإسرائيلي منع إيصال المياه، والغذاء، والوقود، بينما يعرقل عمدًا المساعدات الإنسانية، ويبدو أنه يجرّف المناطق الزراعية، ويحرم السكان المدنيين من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم.

منذ هجوم حركة "حماس" على الأراضي الفلسطينية المحتلة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدلى مسؤولون كبار من دولة الاحتلال الإسرائيلي، منهم وزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير الطاقة يسرائيل كاتس، بتصريحات علنيّة أعربوا فيها عن نيّتهم حرمان المدنيين في غزة من الغذاء، والمياه، والوقود – هذه التصريحات تعكسها العمليات البرية للجيش الإسرائيلي. وصرّح مسؤولون إسرائيليون آخرون علنًا بأن المساعدات الإنسانية لغزة ستكون مشروطة إما بالإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم حماس أو بتدمير الحركة.

قال عمر شاكر، مدير شؤون إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش: "لأكثر من شهرين، تحرم إسرائيل سكان غزة من الغذاء والمياه، وهي سياسة حث عليها مسؤولون إسرائيليون كبار أو أيّدوها وتعكس نية تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. على زعماء العالم رفع أصواتهم ضد جريمة الحرب البغيضة هذه، ذات الآثار المدمرة على سكان غزة".

قابلت هيومن رايتس ووتش 11 فلسطينيا نازحًا في غزة بين 24 نوفمبر/تشرين الثاني و4 ديسمبر/كانون الأول. ووصفوا الصعوبات الشديدة التي يواجهونها في تأمين الضروريات الأساسية. قال رجل غادر شمال غزة: "لم يكن لدينا طعام، ولا كهرباء، ولا إنترنت، لا شيء على الإطلاق. لا نعرف كيف نجونا".

وفي جنوب غزة، وصف الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات ندرة المياه الصالحة للشرب، ونقص الغذاء الذي أدى إلى خلو المتاجر والطوابير الطويلة، والأسعار الباهظة. قال أب لطفلين: "تبحث باستمرار عن الأشياء اللازمة لتعيش". أفاد "برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة" في 6 ديسمبر/كانون الأول أن 9 من كل 10 أسر في شمال غزة وأسرتين من كل ثلاثة في جنوب غزة أمضوا يوما كاملًا وليلة كاملة على الأقل دون طعام.

يحظر القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. وينص "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية" على أن تجويع المدنيين عمدًا "بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية" هو جريمة حرب. لا يتطلب القصد الإجرامي اعتراف المهاجم، ولكن يمكن أيضًا استنتاجه من مجمل ملابسات الحملة العسكرية.

كما أن الحصار الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فضلًا عن إغلاقه المستمر منذ 16 عاما، يرقيان إلى مصاف العقاب الجماعي للسكان المدنيين، وهو جريمة حرب. وباعتبارها القوة المحتلة في غزة بموجب "اتفاقية جنيف الرابعة"، من واجب إسرائيل ضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء والإمدادات الطبية.

في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، حذّر برنامج الأغذية العالمي من "احتمال مباشر" للموت جوعًا، مسلطا الضوء على أن إمدادات الغذاء والمياه كانت معدومة عمليًا. وفي 3 ديسمبر/كانون الأول، أبلغ عن "تهديد كبير بالمجاعة"، ما يشير إلى أن النظام الغذائي في غزة كان على وشك الانهيار. في 6 ديسمبر/كانون الأول، أعلن أن 48٪ من الأسر في شمال غزة و38٪ من النازحين في جنوب غزة مرّوا بـ "مستويات حادة من الجوع".

في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن "المجلس النرويجي للاجئين" أن غزة تواجه "كارثة في احتياجاتها للمياه، والصرف الصحي، والنظافة الشخصية". وأُغلقت مرافق الصرف الصحي وتحلية المياه في منتصف أكتوبر/تشرين الأول بسبب نقص الوقود والكهرباء، وأصبحت غير صالحة للعمل إلى حد كبير منذ ذلك الحين، وفقا لـ "سلطة المياه الفلسطينية". وحتى قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفقا للأمم المتحدة، لم يكن في غزة تقريبًا مياه صالحة للشرب.

قبل الأعمال القتالية الحالية، كان يقدّر أن 1.2 مليون من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة يواجهون انعداما حادًا في الأمن الغذائي، وأكثر من 80٪ منهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية. تمارس إسرائيل سيطرة شاملة على غزة، تشمل حركة الأشخاص والبضائع، والمياه الإقليمية، والمجال الجوي، والبنية التحتية التي يعتمد عليها القطاع، وسجل السكان. يجعل ذلك سكان غزة، الذين تخضعهم إسرائيل لإغلاق غير قانوني منذ 16 عاما، يعتمدون بشكل شبه كامل على إسرائيل للحصول على الوقود، والكهرباء، والدواء، والغذاء، والسلع الأساسية الأخرى.

بعد فرض "الحصار التام" على غزة في 9 أكتوبر/تشرين الأول، استأنفت السلطات الإسرائيلية ضخ المياه إلى بعض أجزاء جنوب غزة في 15 أكتوبر/تشرين الأول، ومنذ 21 أكتوبر/تشرين الأول سمحت بوصول مساعدات إنسانية محدودة عبر معبر رفح مع مصر. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 18 أكتوبر/تشرين الأول إن إسرائيل لن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية "على شكل الغذاء والأدوية" إلى غزة عبر معابرها "طالما لم تتم إعادة رهائن [إسرائيل]".

واصلت الحكومة منع دخول الوقود حتى 15 نوفمبر/تشرين الثاني، رغم التحذيرات من العواقب الوخيمة لذلك، ما تسبب بإغلاق المخابز، والمستشفيات، ومحطات ضخ الصرف الصحي، ومحطات تحلية المياه، والآبار. وهذه المرافق، التي لم تعد صالحة للاستعمال، لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة. ورغم السماح بدخول كميات محدودة من الوقود لاحقًا، إلا أن منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لين هاستينغز وصفتها في 4 ديسمبر/كانون الأول بأنها "ليست كافية على الإطلاق". وفي 6 ديسمبر/كانون الأول، وافقت حكومة الطوارئ الإسرائيلية على زيادة "بقدر الحد الأدنى" في إمدادات الوقود إلى جنوب غزة.

في 1 ديسمبر/كانون الأول، مباشرة بعد وقف إطلاق النار لسبعة أيام، استأنف الجيش الإسرائيلي قصف غزة ووسّع هجومه البري، قائلا إن عملياته العسكرية في الجنوب "لن تقل قوة" عما هي عليه في الشمال. وبينما قال مسؤولون أمريكيون إنهم حثوا إسرائيل على السماح بدخول الوقود والمساعدات الإنسانية إلى غزة بنفس مستويات فترة وقف إطلاق النار، قالت "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق" التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية في 1 ديسمبر/كانون الأول إنها أوقفت دخول جميع المساعدات. استؤنفت عمليات تسليم المساعدات المحدودة في 2 ديسمبر/كانون الأول، لكنها ما تزال بمستويات غير كافية إلى حد كبير، وفقا لـ "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا).

وإلى جانب الحصار الساحق، ألحقت غارات الجيش الإسرائيلي الجوية المكثفة على القطاع أضرارا واسعة أو دمرت المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين. قال خبراء أمميون في 16 نوفمبر/تشرين الثاني إن الأضرار الجسيمة "تهدّد باستحالة استمرار الحياة للشعب الفلسطيني في غزة". الجدير بالذكر أنّ قصفَ الجيش الإسرائيلي آخر مطحنة قمح عاملة في غزة في 15 نوفمبر/تشرين الثاني يضمن عدم إنتاج الدقيق محليا في غزة في المستقبل المنظور، كما أبرزت أوتشا. وقال "مكتب الأمم المتحدة لخدمة المشروعات" إن تدمير شبكات الطرق صعّب على المنظمات الإنسانية إيصال المساعدات إلى من يحتاجون إليها.

قال سكوت بول، مستشار أول للسياسات الإنسانية في "أوكسفام أمريكا"، لـ "أسوشيتد برس" في 23 نوفمبر/تشرين الثاني: "تدمرت المخابز ومطاحن الحبوب، ومرافق الزراعة والمياه والصرف الصحي".

وكان للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة أيضًا تأثير مدمر على قطاعها الزراعي. وفقا لـ أوكسفام، بسبب القصف المستمر، إلى جانب نقص الوقود والمياه، ونزوح أكثر من 1.6 مليون شخص إلى جنوب غزة، أصبحت الزراعة شبه مستحيلة. في تقرير صادر في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، قالت أوتشا إن الماشية في الشمال تواجه التجويع بسبب نقص العلف والمياه، وإن المزارعين يهجرون محاصيلهم بشكل متزايد وبات التلف يصيب المحاصيل بسبب شح الوقود اللازم لضخ مياه الري. وأدت المشاكل القائمة، مثل شح المياه وتقييد الوصول إلى الأراضي الزراعية القريبة من السياج الحدودي، إلى تفاقم الصعوبات التي يواجهها المزارعون المحليون، الذين نزح العديد منهم. في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، قال "الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني" إن خسائر غزة اليومية في الإنتاج الزراعي لا تقل عن 1.6 مليون دولار أمريكي.

في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، أفاد "قطاع الأمن الغذائي الفلسطيني"، الذي يقوده برنامج الأغذية العالمي و"منظمة الأغذية والزراعة"، أن الأعمال القتالية دمرت أكثر من ثلث الأراضي الزراعية في الشمال. تُشير صور الأقمار الصناعية التي راجعتها هيومن رايتس ووتش إلى أنه منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي البري في 27 أكتوبر/تشرين الأول، تم تجريف أراضٍ زراعية، منها البساتين والبيوت البلاستيكية والمزارع في شمال غزة، على يد الجيش الإسرائيلي على ما يبدو. 

قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة الإسرائيلية أن تتوقف فورا عن استخدام تجويع المدنيين أسلوبا للحرب. عليها الالتزام بحظر الهجمات على الأهداف الضرورية لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة وترفع حصارها عن قطاع غزة. على الحكومة أن تعيد توفير المياه والكهرباء، وتسمح بدخول الغذاء والمساعدات الطبية والوقود التي تمس الحاجة إليها إلى غزة عبر المعابر، بما فيها كرم أبو سالم.

على الحكومات المعنية مطالبة إسرائيل بوقف هذه الانتهاكات. كما على الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا، وغيرها تعليق المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة لإسرائيل طالما يستمر جيشها بارتكاب انتهاكات خطيرة وواسعة ترقى إلى جرائم حرب ضد المدنيين مع الإفلات من العقاب.

قال شاكر: "تضاعف الحكومة الإسرائيلية عقابها الجماعي للمدنيين الفلسطينيين ومنع المساعدات الإنسانية باستخدامها القاسي للتجويع كسلاح الحرب. الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة تتطلب استجابة عاجلة وفعالة من المجتمع الدولي".

 

الخلفية

أسفرت الهجمات التي قادتها حركة حماس في جنوب الأراضي المحتلة والتي تضم مستوطنات صهيونية في 7 أكتوبر/تشرين الأول عن مقتل 1,200 إسرائيلي وأجنبي على الأقل، وأخذ أكثر من 200 شخص كرهائن، وأدى رد دولة الاحتلال الإسرائيلي بالقصف والهجوم البري إلى مقتل أكثر من 18,700 فلسطيني، بينهم أكثر من 7,700 طفل، وفقا لسلطات غزة.

صرّح خبراء أمميون في 16 نوفمبر/تشرين الثاني أن نصف البنية التحتية المدنية في غزة قد تدمر. وأفادت "أوتشا" أنه حتى 10 ديسمبر/كانون الأول، دمر قصف الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة أو أصاب بأضرار أكثر من نصف الوحدات السكنية في غزة، وفقًا لوزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، بالإضافة إلى مستشفيات، ومدارس، ومساجد، ومخابز، وأنابيب مياه، وشبكات صرف صحي، وشبكات كهرباء. في 4 و5 نوفمبر/تشرين الثاني وحدهما، وفقا لـ أوتشا، تعرضت سبعة مرافق مياه في مختلف أنحاء القطاع لقصف مباشر وتضررت بشكل جسيم، منها خزانات المياه في مدينة غزة، ومخيم جباليا للاجئين، ورفح.

تمعن هجمات الجيش الإسرائيلي المتكررة وغير القانونية المفترضة على المرافق والطواقم ووسائل النقل الطبية في تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة، ما يعيق حصول السكان على العلاج المنقذ للحياة، بما فيه الوقاية من الأمراض، والهزال، والوفيات المرتبطة بسوء التغذية، ما يفاقم الوضع المزري. قالت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية مارغريت هاريس في 28 نوفمبر/تشرين الثاني: "سنرى أن الناس يموتون بسبب الأمراض أكثر من القصف إذا لم نتمكن من ترميم هذا النظام الصحي".

 

العواقب الإنسانية

في 13 أكتوبر/تشرين الأول، أمرت السلطات الإسرائيلية أكثر من مليون شخص بمغادرة شمال غزة خلال 24 ساعة؛ كانت هذه الأوامر مستحيلة التنفيذ. منذئذ، ومع تدهور الأوضاع في الشمال، نزح مئات الآلاف إلى محافظتي رفح وخان يونس في الجنوب، حيث تزداد صعوبة تأمين سبل البقاء على قيد الحياة. بموجب القانون الإنساني الدولي، يجب أن تتم عمليات الإجلاء في ظروف تضمن حصول النازحين على المساعدات الإنسانية دون عوائق، بما فيها ما يكفي من الغذاء والعمل، وإلا فقد تصبح تهجيرًا قسريًا. تُحظر عمليات الإجلاء التي تزيد احتمال التجويع.

العواقب الإنسانية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وخيمة. خلال الأسابيع الثمانية الأولى من القتال، كان شمال غزة محور الهجوم الجوي المكثف للجيش الإسرائيلي، ثم الهجوم البري لاحقا. باستثناء وقف إطلاق النار الذي استمر سبعة أيام بدءا من 24 نوفمبر/تشرين الثاني، والذي أدخلت خلاله قوافل الأمم المتحدة كميات محدودة من الدقيق والبسكويت عالي الطاقة، قُطع وصول المساعدات إلى الشمال إلى حد كبير. بين 7 نوفمبر/تشرين الثاني وعلى الأقل 15 نوفمبر/تشرين الثاني، لم تعد أي مخابز تزاول عملها في الشمال بسبب نفاد الوقود، والمياه، ودقيق القمح، بالإضافة إلى الأضرار التي لحقت بها، بحسب أوتشا.

بحسب "برنامج الأغذية العالمي"، هناك خطر جدي من التجويع والمجاعة في غزة. قال مسؤولون في الأمم المتحدة إن 1.9 مليون شخص، أي أكثر من 85% من سكان غزة، نازحون داخليًا، وقالوا إن الظروف في المنطقة الجنوبية من قطاع غزة الآخذة في التقلص قد تصبح "كالجحيم أكثر فأكثر".

صرّح كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة مارتن غريفيث في 5 ديسمبر/كانون الأول أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في جنوب غزة أدت إلى ظروف "مروعة"، ما جعل من المستحيل القيام بعمليات إنسانية مجدية.

حتى 6 ديسمبر/كانون الأول، كانت محطة تحلية المياه الوحيدة في شمال غزة معطلة، وظل خط الأنابيب الذي يزود الشمال بالمياه من إسرائيل مغلقا، ما يزيد خطر الجفاف وتفشي الأمراض المنقولة بالمياه بسبب تناول المياه من مصادر غير آمنة. تضررت المستشفيات بشكل خاص، فحتى 14 ديسمبر/كانون الأول، كان ما زال واحد فقط من أصل 24 مستشفى في شمال غزة يعمل وقادرًا على استقبال مرضى جدد، ولكن بقدرات محدودة.

في جميع أنحاء قطاع غزة، تفاقمت الأزمة الإنسانية مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي منذ 11 أكتوبر/تشرين الأول، وقطع الاتصالات أكثر من مرة الذي حرم الناس من المعلومات الموثوقة بشأن السلامة والخدمات الطبية الطارئة، وأعاق بشدة العمليات الإنسانية. إذ قالت أوتشا في 18 نوفمبر/تشرين الثاني إن انقطاع الاتصالات بين 16 و18 نوفمبر/تشرين الثاني، وهو الرابع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تسبب في "وقف عمليات تقديم المساعدات الإنسانية التي تواجه التحديات بالفعل وقفا تاما تقريبا، بما تشمله من المساعدات المنقذة للحياة للأشخاص المصابين أو المحاصرين تحت الأنقاض نتيجة للغارات الجوية والاشتباكات".

منذ بداية الهجوم البري للجيش الإسرائيلي في 27 أكتوبر/تشرين الأول، تشير صور الأقمار الصناعية التي راجعتها هيومن رايتس ووتش إلى أن البساتين والخيم الزراعية والأراضي الزراعية في شمال غزة دُمرت، على ما يبدو من قِبل القوات الإسرائيلية، ما يفاقم المخاوف من انعدام الأمن الغذائي الشديد وفقدان سبل العيش. تشير صور الأقمار الصناعية إلى استمرار تجريف الأراضي الزراعية في شمال غزة أثناء وقف إطلاق النار الذي استمر سبعة أيام، والذي بدأ في 24 نوفمبر/تشرين الثاني وانتهى في 1 ديسمبر/كانون الأول، عندما كان الجيش الإسرائيلي يسيطر مباشرة على المنطقة.

 

في حين سمحت الحكومة الإسرائيلية بتدفق مستمر ومتزايد قليلا من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة خلال وقف إطلاق النار الذي استمر سبعة أيام وانتهى في 1 ديسمبر/كانون الأول، بما فيها غاز الطهي للمرة الأولى منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فإنها كانت قد تعمدت عرقلة إمدادات الإغاثة بالكميات اللازمة لأكثر من شهر، تزامنا مع الحصار الذي فرضته وأثّر على جميع السكان المدنيين. ساهم ذلك في نشوء وضع إنساني كارثي له عواقب بعيدة المدى، حيث نزح أكثر من 80% من السكان، ولجأ عديد منهم إلى أماكن مكتظة غير نظيفة أو صحية في مراكز إيواء أممية في الجنوب. قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في 27 نوفمبر/تشرين الثاني إن المساعدات التي دخلت خلال وقف إطلاق النار "بالكاد تلبي الاحتياجات الهائلة لـ 1.7 مليون نازح".

كانت نحو 200 شاحنة، بينها أربعة صهاريج تحمل ما يصل إلى 130 ألف لتر من الوقود وأربعة صهاريج تحمل غاز الطهي، تدخل إلى غزة في كل يوم من أيام وقف إطلاق النار. بالمقارنة مع ذلك، كان يدخل غزة ما متوسطه 500 شاحنة من المواد الغذائية والسلع كل يوم قبل النزاع، وهناك حاجة إلى 600 ألف لتر من الوقود في غزة يوميا فقط لتشغيل محطات ضخ المياه وتحليتها. مع استئناف القصف وتقدم القوات الإسرائيلية جنوبًا، تعّرض وصول المساعدات لعقبات ضخمة مرة أخرى. في 5 ديسمبر/كانون الأول، ولليوم الثالث على التوالي، أفادت أوتشا أن محافظة رفح في غزة هي الوحيدة التي توزعت فيها كميات محدودة من المساعدات، وإن توزيع المساعدات في محافظة خان يونس المجاورة توقف إلى حد كبير بسبب شدة القتال.

 

شهادات مدنيين في غزة

تحدثت هيومن رايتس ووتش إلى 11 مدنيًا غادروا شمال غزة إلى منطقة آمنة في الجنوب بسبب القصف العنيف، أو خوفًا من غارات جوية وشيكة، أو لأن إسرائيل أمرتهم بالمغادرة. قال عديد منهم إنهم نزحوا عدة مرات قبل أن يصلوا إلى الجنوب بينما عانوا للعثور على ملاجئ مناسبة وآمنة طوال رحلتهم. في الجنوب، وجدوا ملاجئ مكتظة، وأسواقا فارغة، وأسعارًا مرتفعة، وطوابير طويلة للحصول على إمدادات محدودة من الخبز ومياه الشرب. لحماية هوياتهم، استخدمت هيومن رايتس ووتش أسماء مستعارة لجميع من أجريت معهم مقابلات.

قال مروان (30 عاما)، الذي فر إلى الجنوب مع زوجته الحامل وطفليه في 9 نوفمبر/تشرين الثاني: "عليّ أن أمشي ثلاثة كيلومتر للحصول على غالون واحد [من الماء]. ولا يوجد طعام. إذا تمكنا من العثور على طعام، فهو طعام معلّب. جميعنا لا نأكل جيدًا".

قالت هناء (36 عاما)، التي فرت من منزلها في الشمال إلى خان يونس في الجنوب مع والدها، وزوجته، وشقيقها في 11 أكتوبر/تشرين الأول: "ليس لدينا ما يكفي من أي شيء". قالت إنهم في الجنوب لا يحصلون دائمًا على المياه النظيفة، ما يجبرهم على شرب المياه المالحة وغير الصالحة للشرب.

أضافت هناء أن الاستحمام أصبح رفاهية بسبب عدم توفر وسائل تسخين المياه، ما يتطلب منهم البحث عن الخشب. وأنه في الحالات الصعبة، يلجؤون حتى إلى حرق الملابس القديمة للطهي. عملية صنع الخبز لها تحدياتها الخاصة بسبب شحّ المكونات التي لا يستطيعون تحمل تكلفتها. قالت: "نصنع خبزًا رديئًا لأننا لا نملك جميع المكونات ولا نستطيع تحمل ثمنها".

قال ماجد (34 عاما)، الذي فر مع زوجته وأطفاله الأربعة الباقين على قيد الحياة إلى الجنوب في 10 نوفمبر/تشرين الثاني تقريبًا، إنه رغم أن الوضع في الجنوب كان سيئًا، إلا أنه لا يقارَن بما اضطر إلى تحمله هو وعائلته أثناء إقامتهم في الشمال. كانوا في منطقة قريبة من مستشفى الشفاء في مدينة غزة لمدة تزيد قليلا عن شهر بعد قصف منزلهم في 13 أكتوبر/تشرين الأول، ما أدى إلى مقتل ابن ماجد البالغ من العمر 6 سنوات: "في تلك الأيام الـ 33 لم يكن لدينا خبز لأنه لم يكن هناك دقيق. لم تكن هناك مياه - كنا نشتري الماء، أحيانا بـ 10 دولارات [أمريكية] للكوب. لم يكن صالحا للشرب دائما. في بعض الأحيان، كان [الماء الذي نشربه] يأتي من الحمام وأحيانا من البحر. كانت الأسواق المحيطة بالمنطقة فارغة. لم يكن هناك حتى طعام معلّب".

وصف طاهر (32 عاما)، الذي فر جنوبا مع عائلته في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، ظروفا مماثلة في مدينة غزة في الأسابيع الأولى من نوفمبر/تشرين الثاني: "نفد كل شيء من المدينة، الطعام والماء. إذا وجدت طعامًا معلبًا، فالأسعار مرتفعة جدا. قررنا أن نأكل مرة واحدة فقط في اليوم من أجل البقاء أحياء. كان المال ينفد منا. قررنا أن نحصل على الضروريات فقط، وأن نحصل على كمية أقلّ من كل شيء".

 

المعايير الدولية والأدلة على الأفعال المتعمدة

تجويع المدنيين كأسلوب الحرب محظور بموجب المادة 54 (1) من "البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف" والمادة 14 من "البروتوكول الإضافي الثاني". رغم أن إسرائيل ليست طرفًا في البروتوكولين الأول والثاني، إلا أن الحظر معترف به باعتباره يمثّل القانون الإنساني الدولي العرفي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. لا يجوز لأطراف النزاع "التسبب عمدا [بالتجويع]" أو التسبب عمدا في "معاناة السكان من الجوع، ولا سيما عبر حرمانهم من مصادر الغذاء أو الإمدادات".

يُحظر على الأطراف المتحاربة أيضًا مهاجمة الأهداف التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل الإمدادات الغذائية والطبية، والمناطق الزراعية، ومنشآت مياه الشرب. الأطراف ملزمة بتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية السريعة ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين، وعدم عرقلة المساعدات الإنسانية عمدًا أو تقييد حرية حركة موظفي الإغاثة الإنسانية. في جميع حروبها الأربع السابقة في غزة منذ 2008، أبقت إسرائيل تدفق مياه الشرب والكهرباء إلى غزة وفتحت المعابر الإسرائيلية لتوصيل المساعدات الإنسانية.

الدليل على نية استخدام التجويع عمدًا كوسيلة حرب يمكن إظهاره من خلال التصريحات العلنية للمسؤولين المشاركين في العمليات العسكرية. من المتوقع أن يلعب المسؤولون الإسرائيليون الكبار المذكورون أدناه دورًا مهما في تحديد السياسة بشأن السماح بوصول الغذاء والضروريات الأخرى إلى السكان المدنيين أو منعه.

في 9 أكتوبر/تشرين الأول، قال وزير الدفاع يوآف غالانت: "نفرض حصارًا كاملًا على [غزة]. لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا غاز – كل شيء مغلق. نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك".

قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير في تغريدة بتاريخ 17 أكتوبر/تشرين الأول: "طالما لم تطلق حماس سراح الرهائن – الشيء الوحيد الذي يجب أن يدخل غزة هو مئات الأطنان من متفجرات سلاح الجو – ولا ذرة واحدة من المساعدات الإنسانية".

قال وزير الطاقة يسرائيل كانتس، الذي صرّح بأنه أمر بقطع الكهرباء والمياه، في 11 أكتوبر/تشرين الأول:

لسنوات، قدّمنا إلى غزة الكهرباء والماء والوقود. وبدلًا من الشكر أرسلوا آلاف الحيوانات البشرية للذبح والقتل والاغتصاب، وخطف الأطفال، والنساء، والشيوخ. لهذا قررنا قطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود، والآن انهارت محطة توليد الكهرباء المحلية، ولا يوجد كهرباء في غزة. سنواصل فرض حصار محكم حتى يُرفع تهديد حماس عن إسرائيل والعالم. ما كان سائدا لن يستمر.

قال كانتس في 12 أكتوبر/تشرين الأول:

مساعدات إنسانية لغزة؟ لن يتم الضغط على مفتاح كهرباء، ولن يُفتح صنبور، ولن تدخل شاحنة وقود حتى يعود الرهائن الإسرائيليون إلى ديارهم. إنسانية مقابل إنسانية. فلا يحاضرنا أحد عن الأخلاق.

وقال في 16 أكتوبر:

أيدتُ الاتفاق بين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس بايدن لتزويد جنوب قطاع غزة بالمياه لأنه يتوافق مع المصالح الإسرائيلية أيضًا. أنا أعارض بشدة رفع الحصار والسماح بدخول البضائع إلى غزة لأسباب إنسانية. التزامنا تجاه عائلات القتلى والرهائن المختطفين – وليس القتلة من حماس والأشخاص الذين ساعدوهم.

في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن وزير المالية بتسلئيل سموترتش أنه لا يجوز دخول الوقود إلى غزة "تحت أي ظرف كان". ووصف لاحقًا قرار مجلس الحرب الإسرائيلي بالسماح بدخول كميات صغيرة إلى القطاع بأنه "خطأ فادح"، وطالب بـ "وقف هذه الفضيحة فورا ومنع دخول الوقود إلى القطاع"، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست".

وفي فيديو نُشر على الإنترنت في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، قال العقيد يوغيف بار شيشت، نائب رئيس "الإدارة المدنية"، في مقابلة من داخل غزة: "من يعود إلى هنا، إذا عاد إلى هنا بعد ذلك، سيجد أرضًا محروقة. لا بيوت، لا زراعة، لا شيء. ليس لديهم مستقبل".

في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، قال مارك ريغيف، كبير مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة مع "سي إن إن"، إن إسرائيل تحرم غزة من الوقود منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول لتعزيز موقف إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالتفاوض مع حماس بشأن إطلاق سراح الرهائن، وقال: "لو أننا فعلنا ذلك [سمحنا بدخول الوقود]... لما تمكنّا من إخراج رهائننا قط".

في 1 ديسمبر/كانون الأول، قال منسق أعمال الحكومة في المناطق في وزارة الدفاع اللواء غسان عليان إن دخول الوقود والمساعدات إلى غزة توقف بعد خرق حماس شروط اتفاق وقف إطلاق النار. أكد مكتبه تصريحه ردا على استفسار لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، قائلا: "بعد أن انتهكت منظمة حماس الإرهابية الاتفاق، بالإضافة إلى إطلاق النار على إسرائيل، تم وقف دخول المساعدات الإنسانية بالطريقة المنصوص عليها في الاتفاق".

دعا مسؤولون آخرون منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول إلى دخول محدود للمساعدات الإنسانية إلى غزة، قائلين إن ذلك يخدم الأهداف العسكرية الإسرائيلية.

أجاب رئيس الوزراء نتنياهو في 5 ديسمبر/كانون الأول على سؤال حول احتمال خسارة إسرائيل نفوذها ضد حماس إذا سمحت بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، قائلًا: "جهود الحرب مدعومة بالجهود الإنسانية... وهذا لأننا نتبع قوانين الحرب لأننا نعلم أنه إذا حدث انهيار – أمراض وأوبئة، وعدوى في المياه الجوفية – فسوف يتوقف القتال".

قال وزير الدفاع غالانت: "نحن مطالبون بالسماح بالحد الأدنى الإنساني للسماح باستمرار الضغط العسكري".

قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي في مؤتمر صحفي في 17 نوفمبر/تشرين الثاني: "إذا كان هناك وباء، سيتوقف القتال. إذا كانت هناك أزمة إنسانية واحتجاجات دولية، فلن نتمكن من مواصلة القتال في تلك الظروف."

في 18 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن مكتب رئيس الوزراء أن إسرائيل لن تمنع المساعدات الإنسانية من دخول غزة من مصر بعد ضغوط من الولايات المتحدة وحلفاء دوليين آخرين، وأضاف: "في ضوء مطلب الرئيس بايدن، لن تمنع إسرائيل الإمدادات الإنسانية من مصر طالما أنها تقتصر على الغذاء، والماء، والدواء للسكان المدنيين في جنوب قطاع غزة".

 

تدمير المنتجات الزراعية وأثره على إنتاج الغذاء

خلال العمليات البرية في شمال غزة، يبدو أن القوات الإسرائيلية دمرت المنتجات الزراعية، ما فاقم نقص الغذاء مع ما لذلك من آثار طويلة المدى. شمل ذلك تجريف البساتين، والحقول، والخيم الزراعية.

قال الجيش الإسرائيلي إنه أجرى عمليات عسكرية في منطقة بيت حانون، شملت منطقة زراعية لم يكشف عنها في بيت حانون، لتأمين الأنفاق ولأهداف عسكرية أخرى.

مثلًا، تضررت الحقول والبساتين الواقعة شمال بيت حانون لأول مرة خلال الأعمال القتالية بعد العمليات البرية الإسرائيلية أواخر أكتوبر/تشرين الأول. شقّت الجرافات طرقًا جديدة، ما أتاح الطريق أمام المركبات العسكرية الإسرائيلية.

منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، بعد سيطرة القوات الإسرائيلية على المنطقة نفسها في شمال شرق غزة، تظهر صور الأقمار الصناعية أن البساتين والحقول والخيم الزراعية دُمّرت بشكل منهجي، ما خلف الرمال والأتربة. تواصلت هيومن رايتس ووتش مع الجيش الإسرائيلي للحصول على تعليق في 8 ديسمبر/كانون الأول، لكنها لم تتلق ردًا.

زرع المزارعون في هذه المنطقة محاصيل مثل الحمضيات، والبطاطس، وفاكهة التنين، والتين الشوكي أو الصبار، ما دعم سبل عيش الفلسطينيين في غزة. تشمل المحاصيل الأخرى الطماطم، والملفوف، والفراولة. جُرفت بعض الأراضي في يوم واحد. تحتاج أشجار الحمضيات، بالإضافة إلى نباتات الصبار التي تحمل فاكهة التنين، إلى سنوات من الرعاية حتى تنضج قبل أن تتمكن من إنتاج الفاكهة.

تُظهر صور الأقمار الصناعية عالية الدقة استخدام الجرافات لتدمير الحقول والبساتين. يمكن رؤية آثار سير الجرافات، بالإضافة إلى أكوام من التراب على أطراف الأراضي الزراعية السابقة.

سواء كان السبب يعود إلى التجريف المتعمد، أو الأضرار الناجمة عن القتال، أو عدم القدرة على ري الأرض أو استصلاحها، فقد تقلصت الأراضي الزراعية في شمال غزة بشكل كبير منذ بداية العمليات البرية الإسرائيلية.

كما تضررت المزارع والمزارعون في جنوب غزة. وجدت منظمة "العمل ضد الجوع" أن من بين 113 مزارعًا من جنوب غزة شملهم الاستطلاع بين 19 و31 أكتوبر/تشرين الأول، قال 60% إن ممتلكاتهم و/أو محاصيلهم تضررت، و42% أنهم لا يستطيعون الحصول على المياه لري مزارعهم، و43% إنهم لم يتمكنوا من حصاد محاصيلهم.

_____________

المصدر: إسرائيل: استخدام التجويع كسلاح حرب في غزة، موقع: هيومَن رايتس وتش، 18 ديسمبر 2023، https://2u.pw/TRdZfEg

في ديسمبر 2019؛ حازت المبادرة السويسرية الهادفة إلى مقاضاة المسؤولين عن عمليات التجويع المتعمدة للمدنيين خلال الحروب الأهلية باعتبارها جريمة حرب؛ على موافقة جميع البلدان الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، وبذلك ستتمكّن المحكمة الجنائية الدولية من محاسبة المتسببين في جرائم التجويع الممنهج بفضل مبادرة سويسرية.

البلدان الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البالغ عددها 122 دولة وافقت بالإجماع على المقترح السويسري بهذا المعنى في اجتماعها السنوي في ديسمبر 2019 في لاهاي. وهذه المبادرة ستعزّز حماية ضحايا النزاعات، وفقا لوزارة الخارجية السويسرية. كما أشار بيان الوزارة أيضا إلى أن "800 مليون شخص يعانون من الجوع كل يوم في مناطق النزاعات".

وتتمتع المحكمة الجنائية الدولية بأهلية محاكمة جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. لكن حتى ذلك القرار، لم يكن بإمكانها مقاضاة المتسببين في التجويع المتعمّد للمدنيين كجريمة حرب إلا حينما يكون النزاع ذا طابع دولي. ومنذ ذلك تم توسيع هذا التعريف ليشمل أيضًا النزاعات المسلّحة غير الدولية. وتقول وزارة الخارجية السويسرية: "يمثّل التجويع المتعمد للمدنيين، كوسيلة من وسائل الحرب، مشكلة كبيرة خلال الحروب الأهلية".

ومن الأمثلة التي يمكن ذكرها في هذا الإطار سوريا واليمن. هذان البلدان ليسا عضويْن في محكمة الجنايات الدولية، ومن غير المرجّح أن يكون لهذا التعديل تأثير كبير في المستقبل القريب. ومع ذلك، وكما أُشير في موقع القانون الدولي (Opinio Juris) على شبكة الإنترنت: "الفائدة الحقيقية لهذا التعديل ستتجلى في سياق إحالات مجلس الأمن". إذا أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سوريا أو اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية في المستقبل (على الرغم من أن هذا يبدو مستبعدًا حاليًا)، عندئذ يمكن لمكتب المدعي العام محاكمة المسؤولين عن تجويع المدنيين في تلك الدول.

_______________

المصدر: تجويع المدنيين خلال الحروب الأهلية يصبح جريمة ضد الإنسانية، سويسرا انفو، 9 ديسمبر 2019، https://2u.pw/9M5xUZKB )بتصرف).

لماذا تطمئن ضمائر صنّاع القرار في عواصم أوروبا وأميركا وهم يصطفون مع إسرائيل -يدًا في يد وكتفًا بكتف- وهي تشنّ حرب إبادة صليبية لا رحمة فيها ضد آخر حصون المقاومة الفلسطينية؟

حرب الإبادة لا جديد فيها إذا نظرنا إليها من المنظور الأوروبي – الأميركي أو بمنظار الحضارة الغربية من أثينا، ثم روما، ثم إسبانيا، ثم البرتغال، ثم هولندا، ثم فرنسا، ثم بريطانيا، ثم ألمانيا، ثم أميركا، ثم الصهيونية، حضارة تأسَّست على العنف، وعلى تفوق الغرب، وعلى النظرة المتدنية لكل من هو غير غربي أو غير أبيض.

فهو – في نظر الغرب – بربري وهمجي أو متخلف أو وثني، وهذه كلها مبررات تسوغ جريمة الإبادة بقلب مطمئن، تبيض وجهها وتنزع عنها ما فيها من إثم، ثم تضفي عليها وصف المهمة المقدسة أو الواجب المقدس.

عنف واستعلاء ملازمان للحضارة الغربية في كل أطوارها، يصاحبانها، وهي وثنية، وهي مسيحية، وهي استعمارية، عنف لم يفارقها في لحظة، إذا لم تصدره خارجها وضد الأغيار مارسته ضد نفسها بين قبائلها، ثم بين مذاهبها الدينية، ثم بين قوميّاتها، ثم بين إمبراطورياتها التي تصارعت واقتسمت النفوذ والنهب والسيطرة على القارات الستّ.

 

إبادة مادية ومعنوية

الغرب لا يعيش بغير حرب، والحرب لا تكتفي فقط بكسر شوكة الخصم، لكن تتطور إلى إبادته، سواء بشكل مادي يعني مسح الخصم من فوق وجه الأرض وإلغاء وجوده وحضوره في دفاتر التاريخ، أو إبادته بشكل معنوي؛ أي نزع فاعليته بصورة حاسمة ومسخ هُويته وإفقاده الثقة في نفسه، وتدفعه للتنكر لذاته والانسلاخ من جوهره والدوران الذليل في فلك الغرب المنتصر والقائد، من موقع المنهزم التابع، ونفسيته المنسحقة، وذهنيّته المشوهة، وروحانيته المنحطة.

نجح الغرب في كلا النوعين من الإبادة المادية والمعنوية في مواجهة الشرق (العربي – الإسلامي)، فخرج –باستثناء المقاومة الفلسطينية- من دائرة المواجهة، وأصبح يدور –باستثناءات هامشية– في أفلاك الغرب المنتصر، وما الصهيونية إلا ممثل حصري لهذا العنف والتفوق والاستعلاء الغربي.

الغرب –في فلسطين– يخوض معركته الأزلية منذ اليونان، والرومان، وحتى الصليبيين والفرنسيين والإنجليز إلى الأميركان. الصهيونية –في جوهرها– تخوض معركة الغرب، أو هي حلقة في مسلسل العنف الغربي الذي لم يتوقف تصديره إلى الشرق: قديمه وحديثه.

يتساوى المعنى حين نقرر أن الغرب يخوض معركة الصهيونية مع المعنى حين نقرر أن الصهيونية تخوض معركة الغرب، الصهيونية – بشكلها الذي نعرفها عليه – هي أداة مهمة من أدوات الغرب في السيطرة على الشرق، ولو لم تكن الصهيونية موجودة في هذا المكان، وفي هذا التوقيت لكان الغرب قد اخترع –دون تردد– ما يحل محلها ويقوم مقامها وينوب عنها ويؤدي دورها.

لا حياة للغرب دون وضع الشرق العربي الإسلامي في القفص، وهو يؤدي هذه المهمة عن طريقين: توظيف الصهيونية، وتوظيف من يقبل التوظيف من بعض حكام الشرق، وبعض نخبه السياسية والفكرية والاقتصادية، فلم تعد الصهيونية في الخدمة وحدها، ولم تعد الصهيونية يهودية فقط، فقد تضافرت معها روافد عربية وإسلامية.

وهذا يفسّر لك المعضلة الكبرى: لماذا يصطفّ الغرب كله –بزعامة أميركا– مع إسرائيل، كما يفسّر لك لماذا يتخلّى الشرق العربي – الإسلامي كله عن المقاومة الفلسطينية.

 

جبهة واحدة

الغرب – مع الصهيونية يتصرف كجبهة واحدة، كحلف واحد، يربطه توافق على مبدأ أن هزيمة إسرائيل لا تجوز، وأن المساس بأمنها غير مسموح به، وأن تهديد وجودها من جذوره هو خطر يتهدد الغرب ذاته، وذروة هذا الحلف هو الإجماع على قيادة أميركا لا ينازعها منازع ولا يخرج عن مظلتها خارج، وهي –بذاتها– مخلصة لدورها القيادي كإمبراطورية وريثة للعنف والتفوق والاستعلاء الغربي.

الرئيس الأميركي إمبراطور كونيّ فعلي يملك صلاحيات لم يسبق أن ملكها إمبراطور من قبل، لا الإسكندر، ولا قيصر، ولا هارون الرشيد، ولا سليمان القانوني، ولا الملكة فيكتوريا، ورغم كل ما يقال عما في النظام السياسي الأميركي من توازن ورقابة متبادلة بين السلطات، فإن مساءلة الرئيس أمام الكونغرس لا تحد من سلطاته، فوزنه السياسي في أميركا والعالم –في نهاية المطاف– من وزن البنتاغون، من وزن وزارة الدفاع، من وزن القدرة غير المسبوقة في التاريخ على عسكرة الكون: برِّه وبحره وجوّه وفضائه الأبعد. الإمبراطورية تقود الغرب كله – بمن فيه الصهيونية – لتصفية آخر أنفاس الهُوية المستقلة غير المنسحقة أمام هيمنة الغرب والصهيونية في الشرق.

عُمر إسرائيل هو عُمر القيادة الأميركية، كلاهما من علامات القرن العشرين، وهو القرن الذي تلاشت فيه آخر رابطة عالمية تربط المسلمين، ففي مثل هذا الأسبوع من عام 1924م سقطت آخر خلافة إسلامية، سقطت بعد أن عاشت سبعة قرون، منها قرنان في تكون وتشكيل، وثلاثة قرون في ذروة التمكين، وقرنان في الهبوط بالتدريج.

وفرت على مدى ثلاثة قرون حوائط صد تحمي الشرق الإسلامي من الغرب المسيحي، بدأت الأفول الفعلي مع غزو بونابرت لمصر 1798م، لم تصده عن مصر، لكن حين تحرك من مصر قاصدًا الشام ومنه القدس، كانت جيوشها في انتظاره وارتدّ على أعقابه، وفشلت أوّل صهيونية حديثة.

 

صدمة وتخاذل

كذلك عندما تحرّكت قوات الحلفاء من مصر قاصدة الشام – وفي القلب منه القدس- كانت القوات العثمانية تعسكر في انتظارهم على جبهة سيناء، وقد انهزموا أمام قوات الجنرال اللنبي في معركة بئر السبع في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1917م، وخرج يواصل زحفه –الذي عجز عنه بونابرت– إلى القدس.

آثرت القوات العثمانية الانسحاب من المدينة حتى لا يتم تدميرها، إذا دارت الحرب على أسوارها، خرجوا منها بعد أن وفروا لها الحماية لمدة 673 عامًا، ودخلها الجنرال اللنبي، فارتفعت في روما أجراس الكنائس، ومن ذاك التاريخ التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1917م والقدس في عهد الصليبية الجديدة، والصليبية الجديدة تتكفل بضمان وجود وبقاء وتفوق الصهيونية.

لا فرق بين مهمة الجنرال اللنبي والرئيس الأميركي –أو إمبراطور الغرب الأخير– بايدن أو من قبله أو من بعده، أي جنرال مسيحي كان سيفعل ما فعله الجنرال اللنبي، وأي رئيس أميركي سوف يفعل ما يفعله الرئيس الحالي، وقلْ مثل ذلك عن أي حاكم غربي، فلا فرق بين بطرس الناسك 1050 – 1115م، ولويس التاسع 1212 – 1270م، ونابليون بونابرت 1769 – 1821م، والرئيس الحالي إيمانويل ماكرون المولود في عام زيارة الرئيس السادات للقدس 1977م.

كذلك لا فرق بين الملك الألماني فريدريك الثاني 1194 – 1250م، الذي أعاد استرداد القدس بعدما حررها صلاح الدين، لا فرق بينه وبين الرئيس الألماني ووزيرة خارجيته الحاليين إلا في أن فريدريك الثاني –بكل صليبيته– كان أكثر تعقلًا وأقل تعصبًا من قادة ألمانيا الحاليين، فهو لم يسترد القدس في أحضان الصليبيين بالحرب، ولكن استغل الانقسامات والصراعات الدموية بين ورثة صلاح الدين وحصل عليها –سلمًا وهديةً وعربون صداقةٍ وتحالفٍ– من الملك الكامل 1177 – 1233م.

ويصف المؤرخ الدكتور قاسم عبده قاسم في ص 118 من كتابه " في تاريخ الأيوبيين والمماليك " هذه الواقعة بقوله: " لقد جاء فريدريك الثاني بجيش هزيل، وفي عنقه قرار الحرمان البابوي، ولكنه عاد بمكاسب لم تستطع أي حملة صليبية أخرى أن تحققها منذ نجاح الحملة الصليبية الأولى التي احتلت القدس في السنوات الأخيرة من القرن الحادي عشر الميلادي ".

ثم يقول في ص 119: " كانت الصدمة عنيفة على العالم الإسلامي، إذ إن سياسة التخاذل والخوف التي سار عليها السلطان الكامل، قد آتت ثمارها المُرة في هذه المعاهدة الفضيحة، فقد سلم –دون قتال– كل ما فتحه المسلمون أيام جَده صلاح الدين الأيوبي بعد حروب استرداد طويلة ".

 

وعي فاسد

المقاومة الفلسطينية التي صمدت شتاء 2023م – 2024م أمام تحالف الصليبية – الصهيونية، هي آخر أنفاس صلاح الدين؛ أي آخر الوعي الصحيح بجوهر الصراع، الصراع بين الشرق الإسلامي كله، والغرب المسيحي كله، وليس صراعات بينية داخلية بين مسلمين ومسلمين، في مقابل نموذج الوعي الفاسد الذي يمثّله الملك الكامل –ابن شقيق صلاح الدين– حيث تضطره صراعاته بين أشقائه الأيوبيين إلى التحالف مع العدو الإستراتيجي، ثم يكون تسليم القدس للصليبيين –كهدية– ثمن هذا الوعي الفاسد والتحالف الخاطئ.

انظرْ حولك في عواصم العروبة والإسلام، ترَ الملك الكامل حيًا لم يمت. الوعي الفاسد، التحالفات الخاطئة، سلاح فاسد، سلاح يرتد إلى صدر الأمة.

الوعي الفاسد، أو نموذج الملك الكامل، يقف وراء: محنة المقاومة، الخذلان العربي الإسلامي، الانسحاب الصامت من اعتبار القضية الفلسطينية قضية الأمة بكاملها وليس الشعب الفلسطيني فقط. وأعباؤها يلزم توزيعها على كل العرب والمسلمين.

وأخطر من كل ذلك، فإن الوعي الفاسد وراء عدم تسكين إبادة المقاومة في مكانها الصحيح، هي جزء من تاريخ، كما هي جزء من مشروع، كما هي جزء من مستقبل أو هي –الإبادة– آلية معتمدة من آليات الغرب للتعامل معنا، أو للتعامل مع من تراه خطرًا عليها.

إيان لوو Ian Law باحث في دراسات العرقية والعنصرية، وهو مؤسس ومدير مركز دراسات العرقية والعنصرية في جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، له كتاب مهم تمت ترجمته إلى العربية تحت عنوان: " العنصرية والتعصب العرقي من التمييز إلى الإبادة الجماعية "، في الفصل الأول يشرح جذور فكرة التفوق العرقي بما أنها إحساس بالتميز ينتج عنه استعلاء الذات ثم ازدراء الآخرين، مركب الاستعلاء مع الازدراء يترتب عليه عنف، والعنف يصل إلى الإبادة، ثم الإبادة يترتب عليها مقاومة. وهو في (صفحة: 54) يؤرخ لها –أي الإبادة الجماعية– في النظام العالمي الحديث منذ مطلع القرن الخامس عشر فصاعدًا، إذ حفرت العرقية والتعصب العرقي لنفسها مكانًا في ذاكرتنا وفهمنا للعالم عبر أشكال من الإبادة الجماعية.

 

عبودية أطلسية

وتتضمن هذه الأشكال عمليات القتل الجماعي للسكان الأصليين في الأميركتين وأستراليا في سياق الاستعمار الاستيطاني؛ أي الغزو والاحتلال وإحلال المستوطنين المستعمرين محل أهل المكان الأصليين، كذلك الإبادة الجماعية عبر ما يسمى العبودية الأطلسية، وهي جلب الرقيق –قسرًا– للعمل في مزارع المستوطنين –قهرًا– وقد ترتب على هذه العبودية مقتل من 15 إلى 20 مليون إنسان.

وحتى نفهم حرب الإبادة الجارية ضد الفلسطينيين، يلزمنا وضعها في سياقها الصحيح: استعمار استيطاني يتخلص بكل سبيل ممكنة من أهل البلاد الأصليين. وحتى نفهم موقف الغرب المشارك –بكل ما يملك– في الإبادة يلزمنا فهم أن سلوك الإبادة ليس طارئًا ولا عابرًا ولا هامشيًا ولا دخيلًا على الغرب، بل هو جذر تاريخي متجدد متأصل متواصل.

فلولا الإبادة ما تأسست رأسمالية الغرب، ولولا الإبادة ما تأسست الدولة القومية في الغرب، ولولا الإبادة ما تأسس الاستعمار الغربي، ولولاها ما ترتب على الاستعمار من ديمقراطية وثورات علمية وتكنولوجية، ثم لولاها ما كان الغرب هيمن على العالم الحديث، وأعاد تشكيله وفق هواه، وتظل الإبادة جاهزة لتوضع في الخدمة الفعلية كلما لزم الأمر في الحاضر والمستقبل. أو ما يسميه إيان لوو Ian Law القتل الجماعي أحادي الجانب. (ص 53). ثم يذكر بعض أمثلة الإبادة:

1- في منطقة الكاريبي –فيما يعرف الآن بهاييتي وجمهورية الدومينيكان– كان يسكنهما ثمانية ملايين إنسان عندما دخلهما المستعمر الإسباني، ثم في خلال ثلاثين عامًا فقط، نجح القتل الجماعي أحادي الجانب في إفناء الملايين الثمانية، حتى لم يتبقَّ منهم غير عشرين ألفًا فقط.

2- كندا والولايات المتحدة كان يسكنهما نحو عشرة ملايين، قبل أن يستعمرهما الفرنسيون والإنجليز، ثم على مدى خمسة قرون، تم إفناؤهم، فلم يتبقّ منهم غير 237 ألفًا فقط، قتل رسمي برعاية الدولة ذاتها: قتل مباشر، تفشي أوبئة، مجاعات، سرقة أطفال، مصادرة الغذاء، وحرمان السكان الأصليين من مواردهم.

3- في عام 1788م كان سكان أستراليا الأصليون سبعمائة وخمسين ألفًا (ثلاثة أرباع المليون)، جرت إبادتهم حتى لم يتبقّ منهم عام 1911م غير واحد وثلاثين ألفًا فقط، بالأساليب نفسها: مذابح منظمة، حملات إبادة، أمراض فتاكة، مجاعات، سرقة أطفال، مصادرة موارد.

4- جزيرة تسمانيا – من جزر أستراليا – عام 1804م كان يعيش عليها قبل دخول المستعمرين الإنجليز أربعة آلاف وخمسمائة، وفي غضون ثمانين عامًا – حسبما يقول المؤلف – تمت إبادة كل من تجري في عروقهم دماء أصحاب الأرض الأصليين، فقد قُتل آخر رجل عام 1869م، ولقيت آخر امرأة حتفها في عام 1876م، ولم يبقَ على قيد الحياة إلا بعض المهجّنين، أي من زيجات مشتركة.

كان المستعمرون يقومون برحلات صيد بتصويب رصاص البنادق، ثم إطلاقه في عيون السكان الأصليين، كان تسميم الطحين سلوكًا معتادًا من المستعمرين ضد السكان الأصليين. (ص 58).

5- نموذج أكثر حداثة، أول عملية إبادة جماعية افتتح بها القرن العشرون، باكورة أعمال الألمان في سجل الإبادة، ففي ناميبيا كان شعب الهيريرو يبلغ عدده ثمانين ألفًا، أبادهم الألمان حتى لم يتبقّ منهم غير ستة عشر ألفًا.

 

يختتم المؤلف هذا الجزء من الفصل الأول بملاحظتين في قمة الشجاعة:

الأولى: الإبادة الجماعية الاستعمارية استهدفت الاستيلاء على الأرض، والموارد الطبيعية والبشرية، ومن ثم كانت حجر الزاوية في بناء الرأسمالية.

الثانية: التطور الديمقراطي كان يسير، يدًا بيد، مع عمليات القتل الجماعي الذي تأسست عليه إمبراطوريات الإسبان، والبرتغاليين، والهولنديين، والإنجليز، والفرنسيين، وأضيف إليه الأميركان والصهاينة.

__________________

أنور الهواري، ديمقراطيات الإبادة الجماعية، الجزيرة نت، 7 مارس 2024، https://2u.pw/oyfLkDam

أعد فريق موقع القانون من أجل فلسطين ملفًا يستعرض فيه ملخص القضية التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية تحت بند ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في غزة وإليكم ما جاء فيه:

 

السياق

منذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، تشن إسرائيل هجومًا متواصلًا على الفلسطينيين في قطاع غزة، مستهدفة بشكل عشوائي المدنيين والأعيان المحمية في انتهاك للقانون الدولي. لقد أصبح واضحًا من حجم الهجمات ضد غزة أن إسرائيل تحاول ارتكاب إبادة جماعية، حيث يقول العديد من الأكاديميين وقادة العالم بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة. في 29 ديسمبر/كانون أول 2023، بعد 83 يومًا من الهجوم المتواصل من القوات المسلحة الإسرائيلية، قدمت جنوب أفريقيا طلبًا لإقامة دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، فيما يتعلق بانتهاكات من جانب إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (“اتفاقية الإبادة الجماعية”) فيما يتعلق بالهجوم الإسرائيلي على الفلسطينيين في قطاع غزة.

وتجادل جنوب أفريقيا بأن “الأفعال والتقصيرات التي قامت بها إسرائيل والتي اشتكت منها جنوب أفريقيا هي ذات طابع إبادة جماعية لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير من المجموعة الوطنية والقومية والإثنية الفلسطينية، والتي هي الجزء الموجود في قطاع غزة من الشعب الفلسطيني (“الفلسطينيون في غزة”).

يتميز طلب جنوب أفريقيا باستخدامه لمصطلح erga omnes partes (“اتجاه الكافة/أو حقوق تتعلق بالجميع”)، والذي تم تحديثه بعد الإجراءات التي رفعتها غامبيا ضد ميانمار في عام 2019. وفي القانون الدولي، يتعلق هذا المبدأ بالالتزامات التي تدين بها الدولة للمجتمع الدولي ككل، وتمتد إلى أبعد من حدود الاتفاقات الثنائية أو الاتفاقيات المتعددة الأطراف. ويعني هذا المفهوم أن المبادئ والمعايير الأساسية في القانون الدولي، مثل حظر الإبادة الجماعية، هي التزامات تقع على عاتق جميع الدول تجاه المجتمع الدولي ككل. ويعتبر انتهاك هذه الالتزامات جرائم ضد النظام الدولي، مما يمنح أي دولة الحق في اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان منع تلك الانتهاكات.

يحتوي طلب جنوب أفريقيا على طلب اتخاذ التدابير المؤقتة، والتي تتطلب من المحكمة إصدار حكم أولي في القضية، من أجل “منع مزيد من الضرر الشديد وغير القابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية” ولضمان امتثال إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بعدم المشاركة في الإبادة الجماعية، ومنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. والمهم هنا، أن التدابير المؤقتة تحتاج إلى حد أدنى من الإثبات كي تقوم المحكمة بالحكم بها، بحيث “لا يتعين على المحكمة أن تقرر أن جميع الأفعال موضع الشكوى يمكن أن تندرج ضمن أحكام اتفاقية الإبادة الجماعية”. ويعني انخفاض عبء الإثبات أن المحكمة لا يتعين عليها أن تثبت بشكل قاطع أن جميع الإجراءات المتضمنة في طلب جنوب أفريقيا تقع ضمن أحكام الاتفاقية، مما يسمح بعملية أكثر مرونة وسرعة عند طلب اتخاذ تدابير مؤقتة قبل الاستماع إلى القضية الكاملة المتعلقة بارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية.

 

النقاط الرئيسية في ملف جنوب أفريقيا

تتكون الوثيقة الشاملة التي قدمتها جنوب أفريقيا والمكونة من 84 صفحة بشكل أساسي من معلومات واقعية وأدلة تم جمعها من مصادر مختلفة. وتشمل هذه المعلومات تقارير المقررين الخاصين للأمم المتحدة، وإصدارات مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتقارير الصحفيين الموجودين على الأرض في غزة، وتقارير المنظمات غير الحكومية ذات السمعة الموثوقة. يركز الطلب على عناصر الفعل الإجرامي (الأفعال المادية المتخذة ضمن ارتكاب الجريمة) وعلى عناصر القصد الجنائي (الركائز المعنوية للجريمة؛ أي النية لارتكاب الجريمة). ويشير هذا إلى أن الغرض من الطلب الذي قدمته جنوب أفريقيا هو الضغط من أجل اتخاذ تدابير مؤقتة لوقف الهجمات المستمرة على الفلسطينيين، بدلاً من مناقشة قضية الإبادة الجماعية الكاملة الآن، وهو الأمر الذي سيحدث في وقت لاحق.

وتذكر جنوب أفريقيا، أن إسرائيل، وقت تقدم الملف من قبل جنوب أفريقيا، كانت قد “قتلت ما يزيد عن 21,110 فلسطينيًا، من بينهم أكثر من 7,729 طفلًا – مع فقدان أكثر من 7,780 آخرين، ويُفترض أنهم ماتوا تحت الأنقاض”. ومضت الوثيقة لتشير إلى أن القصف الإسرائيلي قد أصاب أكثر من 55,243 فلسطينيًا آخرين وأن “إسرائيل دمرت أيضًا مناطق واسعة من غزة، بما في ذلك أحياء بأكملها، وألحقت أضرارًا أو دمرت ما يزيد عن 355,000 منزلًا فلسطينيًا”.

الأهم من ذلك، أن جنوب أفريقيا تضع الإبادة الجماعية الإسرائيلية في سياقها بالإشارة إلى “السياق الأوسع لسلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين من خلال نظام الفصل العنصري الذي دام 75 عامًا، واحتلالها الحربي للأراضي الفلسطينية الذي دام 56 عامًا، وحصارها المستمر لغزة منذ 16 عامًا”. والجدير بالذكر أن الملف ينص على أن “أعمال الإبادة الجماعية تشكل حتمًا جزءًا من سلسلة متصلة”، مع التركيز على أهمية فهم الأحداث الجارية من منظور الاحتلال الإسرائيلي والقهر والاستعمار، وليس من خلال أحداث 7 أكتوبر بشكل ضيق.

ينصب التركيز الأساسي للوثيقة على الهجوم الإسرائيلي على غزة، مع إشارة محدودة إلى الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، بالإضافة إلى الهجمات التي شنتها حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر). وبينما يدين الملف تلك الهجمات، فإنه يؤكد أنه لا يمكن أن يكون هناك أي مبرر لانتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية، كما تم توثيقه في الهجوم الإسرائيلي.

يفصّل ملف جنوب أفريقيا بشكل موسع في عدة فئات من أعمال الإبادة الجماعية ضمن تحليل الفعل الإجرامي، ويشمل ذلك قتل الفلسطينيين في غزة، مما سبب لهم أذى جسديًا وعقليًا خطيرًا، وفرض ظروف معيشية عليهم تهدف إلى تدميرهم جسديًا. وتُعزى هذه الأفعال إلى إسرائيل، التي لم تفشل في منع الإبادة الجماعية فحسب، بل ترتكب بنشاط الإبادة الجماعية. علاوة على ذلك، انتهكت إسرائيل وما زالت تنتهك الالتزامات الأساسية الأخرى بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك “الإخفاق في منع أو المعاقبة على التحريض المباشر والعلني على الإبادة الجماعية من قبل كبار المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم”. ويفصّل الملف في ذكر حقائق وإحصائيات تسلط الضوء على مدى الضرر الذي قامت به إسرائيل، على سبيل المثال، كدليل على أعمال الإبادة الجماعية:

وبحسب ما ورد، قُتل ما يزيد على 21,110 فلسطينيا منذ أن بدأت إسرائيل هجومها العسكري على غزة، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، ويُعتقد أن 70% منهم على الأقل من النساء والأطفال. وتم الإبلاغ عن وجود ما يقدر بنحو 7,780 شخصًا إضافيًا، بما في ذلك ما لا يقل عن 4,700 امرأة وطفل، في عداد المفقودين، ويفترض أنهم ماتوا تحت أنقاض المباني المدمرة – أو يموتون ببطء – أو يتحللون في الشوارع حيث قتلوا.

يستخدم تحليل القصد الجنائي (النية) مجموعة متنوعة من التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون كدليل على نية الإبادة الجماعية. وتشير جنوب أفريقيا إلى التصريحات المتكررة التي أدلى بها ممثلو الدولة الإسرائيلية، بما في ذلك تلك التي تتضمن نوايا صريحة من كل من رئيس الوزراء والرئيس، فضلا عن التصريحات التي يمكن من خلالها استنتاج نية الإبادة الجماعية فيما يتعلق بسير العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وتجدر الإشارة إلى الاهتمام الكبير الذي حظيت به تقارير المقررين الخاصين ومجموعات العمل التابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وبعثات تقصي الحقائق. وفي حين أن هذا لم يتم استخدامه على نطاق واسع في القضايا السابقة المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، فمن المأمول أن تنظر المحكمة بشكل إيجابي إلى هذه الأدلة بسبب الجودة العالية والطبيعة الغنية بالمعلومات لتقارير الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن الطلب يؤكد اعتماده على البيانات والتقارير الواردة من رؤساء وهيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وشهود العيان من غزة، بما في ذلك الصحفيين الفلسطينيين على الأرض، إلا أنه كان يميل في الغالب نحو المصادر الدولية مثل: الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني، بدلاً من الاعتماد على نطاق واسع على المصادر الفلسطينية.

ومن خلال قراءة الملف، يتضح أن نية جنوب أفريقيا كانت التركيز على الأمر بالإجراءات المؤقتة لوقف العنف المستمر. ومن المهم أن التركيز الأساسي في هذه المرحلة ينصب على إثبات أن الأفعال “يمكن أن تندرج ضمن أحكام الاتفاقية”. وهذا يعني أنه بدلاً من إثبات حالة الإبادة الجماعية برمتها، يجب على جنوب أفريقيا أن تثبت أن الوضع الحالي يمكن أن يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، مما يجعل في النهاية عتبة عبء الإثبات أكثر سهولة.

 

العناوين والعناوين الفرعية التي تضمنها الملف:

أولا: المقدمة

ثانيا: اختصاص المحكمة

ثالثا: الحقائق

1 المقدمة

  1. خلفية

 قطاع غزة

الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية)

الهجمات التي وقعت في إسرائيل في 7 أكتوبر 2023

  1. أعمال الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني

قتل الفلسطينيين في غزة

التسبب في أضرار جسدية وعقلية جسيمة للفلسطينيين في غزة

الطرد الجماعي من المنازل وتهجير الفلسطينيين في غزة

حرمان الفلسطينيين من الحصول على الغذاء والماء الكافي

حرمان الفلسطينيين في غزة من الوصول إلى المأوى الملائم والملابس والنظافة والصرف الصحي

الحرمان من المساعدات الطبية الكافية للفلسطينيين في غزة

تدمير الحياة الفلسطينية في غزة

فرض إجراءات تهدف إلى منع الولادات الفلسطينية

  1. التعبير عن نية الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني من قبل مسؤولي الدولة الإسرائيلية وآخرين
  2. تحديد نية إسرائيل الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين

رابعا: ادعاءات جنوب أفريقيا

خامسًا: التدخل المطلوب

سادسا: طلب اتخاذ تدابير مؤقتة

  1. الظروف القاهرة تتطلب اتخاذ التدابير المؤقتة
  2. الاختصاص الظاهر للمحكمة
  3. الحقوق المطلوب حمايتها وطبيعتها المعقولة والارتباط بين هذه الحقوق والتدابير المطلوبة
  4. خطر الخلل الذي لا يمكن إصلاحه والاستعجال
  5. التدابير المؤقتة المطلوبة

سابعا: حفظ الحقوق

ثامنا: تعيين الوكلاء

 

أسئلة وأجوبة

ما هي محكمة العدل الدولية؟

محكمة العدل الدولية (ICJ) هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. ويتمثل دورها في تسوية المنازعات القانونية المقدمة من دولة أو أكثر وفقًا للقانون الدولي وإبداء الرأي الاستشاري بشأن المسائل القانونية التي تحيلها إليها الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA) أو مجلس الأمن (UNSC).

تتألف محكمة العدل الدولية من 15 قاضياً، كل منهم يحمل جنسية مختلفة، يتم انتخابهم لمدة تسع سنوات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (المادة 3 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية). ويجب أن يتم توزيع القضاة جغرافيًا بشكل عادل واختيارهم بطريقة تكفل تمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم (المادة 9 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية). يقع مقر محكمة العدل الدولية في لاهاي، هولندا.

تم إنشاء محكمة العدل الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بعد أن أصدرت القوى المتحالفة (الصين والاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) إعلانًا مشتركًا يعترف بضرورة “إنشاء منظمة دولية عامة، في أقرب وقت ممكن، تقوم على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول المحبة للسلام، وتكون مفتوحة لعضوية جميع هذه الدول، كبيرها وصغيرها، لصون السلام والامن الدوليين”.

 

ما هي المحكمة الجنائية الدولية؟

في حين أن محكمة العدل الدولية هي محكمة مدنية لتسوية النزاعات بين الدول، فإن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة جنائية لمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم العدوان والجرائم ضد الإنسانية.

تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002 من خلال نظام روما الأساسي لعام 1998، الذي أسس لأربع جرائم دولية أساسية – الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان – ومحكمة لمحاكمة هذه الجرائم. إسرائيل ليست طرفا في نظام روما الأساسي، ولكن تم قبول فلسطين كدولة طرف في نظام روما الأساسي في عام 2015. وعلى هذا النحو، يمكن أن تقع الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. في 3 مارس 2021، أعلن المدعي العام عن فتح التحقيق في الوضع في دولة فلسطين. ويمكنك العثور على مزيد من المعلومات حول هذا الموضوع هنا.

 

لماذا تقوم جنوب أفريقيا بتوجيه تهمة الإبادة الجماعية إلى إسرائيل؟

كما هو موضح في المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (“اتفاقية الإبادة الجماعية”)، تشتمل الإبادة الجماعية على عنصرين:

الركن العقلي (القصد الجنائي): “التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه”؛ و

الركن المادي (actus reus): ويتضمن الأفعال الخمسة التالية:

(أ) قتل أعضاء من الجماعة.

(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.

(ج) إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.

(د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.

(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.

وتزعم جنوب أفريقيا في الطلب المقدم من طرفها أن تصرفات إسرائيل في غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، حيث تستهدف الشعب الفلسطيني – الجماعة الفلسطينية في قطاع غزة. وتشمل أعمال الإبادة الجماعية المزعومة قتل الفلسطينيين، والتسبب في أضرار جسدية وعقلية خطيرة، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم جسديًا. وتؤكد جنوب أفريقيا أن هذه الأفعال تنسب إلى إسرائيل، التي فشلت في منع الإبادة الجماعية وتنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية. ويشير الطلب إلى أعمال محددة قامت بها إسرائيل، مثل قتل الأطفال الفلسطينيين، والتهجير الجماعي، وتدمير المنازل، والحرمان من الضروريات الأساسية، والتدابير التي تعيق الولادات الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، يسلط الضوء على استهداف جامعات غزة وتدمير المراكز الثقافية.

 

جنوب أفريقيا لم تتأثر بشكل مباشر من الإبادة، فكيف يمكن رفع هذه القضية؟

تؤكد جنوب أفريقيا موقفها القانوني في القضية الحالية استنادا إلى مبدأ erga omnes parts. يسمح هذا المبدأ لجميع الدول بالاحتجاج بقواعد المسؤولية الدولية التي يمكن الاستناد إليها بسبب أن دولة أخرى قامت بأفعال غير قانونية، إذا كانت تلك الأفعال تمثا انتهاكا “لالتزام يعد واجباً تجاه المجتمع الدولي ككل” (المادة 48 (6) من ﻣﺸﺎرﻳﻊ اﻟﻤﻮاد اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ اﻟﺪول ﻋﻦ اﻷﻓﻌﺎل ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ دوﻟﻴﺎ).

وفي سياق اتفاقية الإبادة الجماعية، تشترك جميع الدول الأطراف في الاتفاقية في مصلحة جماعية في منع أعمال الإبادة الجماعية وضمان عدم إفلات المسؤولين عن هذه الأفعال من العقاب. والحجة الأساسية هي أن واجب منع الإبادة الجماعية والتصدي لها يتجاوز العلاقات الثنائية، ويشكل مسؤولية تجاه المجتمع الدولي برمته. وتؤكد هذه الاستراتيجية القانونية خطورة الجريمة وتؤكد الالتزام المشترك للدول بمحاسبة مرتكبيها ومنع وقوع مثل هذه الأفعال الشنيعة.

 

من هم الفرق القانونية التي تمثل جنوب أفريقيا وإسرائيل؟

جنوب أفريقيا: جون دوجارد، ماكس دو بليسيس، تمبيكا نجكوكايتوبي، عديلة هاشم

مساعدين: سارة بوديفين جونز، ليراتو زيكالالا، تشيديسو راموغالي

مساعدين خارجيين: بلين ني غرالاي، فوغان لوي

القاضي الخاص: ديكغانغ موسينيكي

إسرائيل: مالكولم شو

القاضي الخاص: أهارون باراك

* القضاة الخاصون: وفقًا للفقرتين 2 و3 من المادة 31 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، عندما لا يكون لدولة طرف في قضية معروضة على محكمة العدل الدولية قاضٍ من جنسيتها في هيئة المحكمة، يكون لها الحق في تعيين شخص ليكون بمثابة قاض خاص لتلك القضية المحددة. ونتيجة لذلك، قامت كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل باختيار قضاة خاصين للانضمام لمحكمة العدل الدولية في هذه القضية.

 

لماذا تطالب جنوب أفريقيا بـ «تدابير مؤقتة»؟

التدابير المؤقتة هي سبل انتصاف مؤقتة تُمنح في ظروف خاصة لتجنب أي إجراء قد يؤدي إلى تفاقم النزاع أو اتساعه، في الوقت الذي تستمر فيه إجراءات المحكمة في المرحلة التالية. وهي تعادل تقريبًا الأوامر القضائية المؤقتة في المحاكم الوطنية (الإجراءات المستعجلة)، ولها الأولوية على جميع القضايا الأخرى المعروضة على محكمة العدل الدولية بسبب إلحاحها. وهنا، تطلب جنوب أفريقيا من المحكمة أن تأمر ب تدابير مؤقتة في ضوء أعمال الإبادة الجماعية المستمرة والمتصاعدة التي ترتكبها إسرائيل.

بموجب المادة 41 (1) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، “تكون للمحكمة صلاحية الإشارة، إذا رأت أن الظروف تتطلب ذلك، إلى أي تدابير مؤقتة ينبغي اتخاذها للحفاظ على حقوق أي من الطرفين.”

وتقول جنوب أفريقيا إن التدابير المؤقتة ضرورية في هذه القضية “للحماية من المزيد من الضرر الشديد وغير القابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، والتي لا يزال يتم انتهاكها مع استمرار الإفلات من العقاب”. في حين أن هذا لا يتعلق بشكل مباشر بـ «الحقوق الخاصة لأي من الطرفين»، فإن جنوب أفريقيا تستخدم مبدأ erga omnes partses، أو مبدأ «الالتزامات تجاه الجميع»، لتقديم هذا الطلب.

 

ما الفرق بين جريمة الإبادة الجماعية والجرائم الفظيعة الأخرى؟

تشمل الجرائم الفظيعة في القانون الدولي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، والتي تم تحديدها في اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1977، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، ونظام روما الأساسي لعام 1998. جرائم الحرب هي انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في أوقات الحرب ضد المدنيين أو المقاتلين، في حين أن الجرائم ضد الإنسانية هي «هجمات واسعة النطاق أو منهجية موجهة ضد أي مجموعة من السكان المدنيين». وتختلف جريمة الإبادة الجماعية عن هذه الجرائم الأخرى من حيث أنها تتطلب نية خاصة (dolus Specialis) – «نية تدمير… مجموعة».

وتقول جنوب أفريقيا في طلبها إن هذه النية الخاصة لتدمير الفلسطينيين في غزة قد تجلت في التصريحات التي أدلى بها المسؤولون والسياسيون والقادة العسكريون والصحفيون الإسرائيليون (وكما يظهر في قاعدة البيانات التي أنشأتها القانون من أجل فلسطين).

وتتعزز هذه النية الخاصة أيضًا من خلال أفعال إسرائيل وإغفالاتها تجاه أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. وعلى حد تعبير الطلب، فإن أفعال إسرائيل وإغفالاتها ترتكب “مع النية المحددة المطلوبة (dolus Specialis) لتدمير الفلسطينيين في غزة كجزء من المجموعة الوطنية والقومية والإثنية الفلسطينية الأوسع”.

 

ما هو الفرق بين النية الجرمية (الركن المعنوي) والفعل الجرمي (الركن المادي)؟

يعد كلا النية الجرمية (الركن المعنوي) والفعل الجرمي (الركن المادي) عنصرين مطلوبين بموجب القانون لاعتبار أن هناك جريمة. وينطبق هذا على الجرائم التي تقع ضمن نطاق الولايات القضائية الوطنية، وأيضا بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، يمكن أن يختلف الركن المادي والركن المعنوي للجرائم بين البلدان ويؤدي إلى اختلافات في القوانين المتشابهة للغاية، على سبيل المثال، لا يوجد مفهوم “درجات” للقتل في المملكة المتحدة كما هو موجود في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن القتل يعتبر جريمة في كلا البلدين.

الفعل الإجرامي هو الركن المادي الذي عادة ما يكون مطلوبًا لوجود جريمة، على سبيل المثال، في معظم الولايات القضائية الوطنية، القتل هو فعل قتل شخص ما بشكل غير قانوني.

الركن المعنوي هو العنصر العقلي أو النفسي الذي يشكل الجريمة. على سبيل المثال، في معظم الولايات القضائية، يعد القتل جريمة تتطلب النية، ولا يمكن عادةً ارتكابها عن طريق الخطأ – لذلك يجب أن تنوي ارتكاب جريمة قتل حتى يتم إدانتك بارتكاب جريمة القتل لقتل شخص بشكل غير قانوني.

يتم تحديد الركن المادي للإبادة الجماعية بموجب المادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية على أنه الأفعال التي تهدف إلى تدمير مجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كليًا أو جزئيًا، وذلك من خلال أساليب: قتل أفراد الجماعة؛ التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء الجماعة؛ تعمد فرض ظروف معيشية على الجماعة بهدف تدميرها الجسدي كليًا أو جزئيًا؛ فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل الجماعة؛ أو نقل أطفال الجماعة قسراً إلى مجموعة أخرى.

يتم تعريف القصد الجنائي للإبادة الجماعية أيضًا في المادة 2 من اتفاقية الإبادة الجماعية، ويعني ببساطة أن الأفعال المدرجة في الركن المادي يجب أن تُرتكب بقصد تدمير جماعة موجودة، إما كليًا أو جزئيًا. مثل القتل، يجب أن تنوي ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية (أن تنوي القضاء على الشعب الفلسطيني) لتكون مذنبًا بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

 

ما المطالب المحددة التي قدمتها جنوب أفريقيا في هذه القضية؟

وفي هذه القضية، قدمت جنوب أفريقيا المطالب المحددة التالية:

  • الوقف الفوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وضدها.
  • التأكد من أن أي وحدات مسلحة عسكرية أو غير نظامية خاضعة لسيطرة إسرائيل، وكذلك المنظمات والأفراد الخاضعين لسيطرتها، لا تتخذ أي خطوات لتعزيز العمليات العسكرية المذكورة في الطلب الأول.
  • يجب على كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل، وفقا لالتزاماتهما بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، اتخاذ جميع التدابير المعقولة في حدود سلطتهما لمنع الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
  • إسرائيل مطالبة بالكف عن ارتكاب الأفعال المنصوص عليها في المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، بما في ذلك قتل أعضاء الجماعة الفلسطينية، والتسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير، وتعمد إلحاق أحوال معيشية تؤدي إلى التدمير الجسدي، وفرض تدابير لمنع الولادات داخل الجماعة.
  • يجب على إسرائيل أن توقف إجراءاتها، بما في ذلك إلغاء الأوامر والقيود والمحظورات ذات الصلة، لمنع الطرد والتهجير القسري والحرمان من الوصول إلى الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية وتدمير حياة الفلسطينيين في غزة.
  • التأكد من أن الجيش الإسرائيلي أو الوحدات المسلحة غير النظامية أو الأفراد المتأثرين به لا يرتكبون الأفعال الموصوفة في المطلبين 4 و5، واتخاذ خطوات نحو العقاب في حالة حدوث مثل هذه الأفعال.
  • يجب على إسرائيل اتخاذ تدابير فعالة لمنع تدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بمزاعم ارتكاب أفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية، وبما يضمن السماح لبعثات تقصي الحقائق والجهات الدولية بالوصول إلى غزة لهذا الغرض.
  • تقديم تقرير إلى المحكمة بجميع الإجراءات المتخذة لتنفيذ الأمر خلال أسبوع من صدوره، وعلى فترات منتظمة حتى صدور القرار النهائي في القضية.
  • يجب على إسرائيل الامتناع عن أي عمل قد يؤدي إلى تفاقم النزاع المعروض على المحكمة أو إطالة أمده أو يجعل حله أكثر صعوبة.

 

ماذا سيحدث بعد ذلك؟

بعد بدء جلسة الاستماع، يتسم الجدول الزمني للقضية بإعطائه الأولوية والمعالجة السريعة لطلبات التدابير المؤقتة، والتي غالبًا ما تستغرق أسابيع فقط. وستشرف لجنة مخصصة على قرار المحكمة بشأن الإجراءات المؤقتة، ويظل القرار المؤقت قائمًا حتى صدور حكم نهائي في القضية.

ومع ذلك، هناك تعقيد محتمل. حيث من المقرر أن يتنحى بعض القضاة في فبراير/شباط القادم، حيث سينضم قضاة جدد إلى المحكمة. ولا يزال تأثير هذا التحول على الجدول الزمني للقضية غير مؤكد. ومن الضروري الإشارة إلى أن القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية لها وزن كبير، كونها ملزمة ونهائية للدول الأطراف المعنية في القضية. وهذه القرارات لا يوجد استئناف عليها، وذلك على النحو المنصوص عليه في المادة 94 (1) من ميثاق الأمم المتحدة والمادة 60 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

 

ما المدة التي من المتوقع أن تستغرقها المحكمة قبل إصدار حكمها؟

نظرًا لطلب جنوب أفريقيا باتخاذ تدابير مؤقتة، سيتم الاستماع إلى المرافعات الشفهية الأولية خلال الفترة من 11 إلى 12 يناير/كانون ثاني 2024، وخاصة بشأن التدابير المؤقتة. وستبت المحكمة في هذه الإجراءات خلال الأيام التالية. وفي القضيتين الأخريين المنظورتين أمام محكمة العدل الدولية ضمن اتفاقيات الإبادة الجماعية، لدينا قضية غامبيا ضد ميانمار وأوكرانيا ضد روسيا، أمرت المحكمة باتخاذ التدابير المؤقتة في القضية الأولى بعد حوالي 40 يومًا وفي القضية الثانية بعد 8 أيام من جلسات الاستماع العامة لاتخاذ التدابير المؤقتة.

وبغض النظر عما هو القرار في التدابير المؤقتة، فإن القضية ستمضي قدما في محكمة العدل الدولية. وقد تضغط إسرائيل من أجل رفض مبدئي للقضية في هذه المرحلة، ولكن فقط على أساس الاختصاص القضائي. وعلى افتراض عدم تقديم إسرائيل أي مطالبة بشأن الاختصاص، أو أن المحكمة ترفض أي مطالبات من هذا النوع تقدمها إسرائيل، سيتم النظر في القضية من قبل محكمة العدل الدولية في الوقت المناسب، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه يمكن أن تمر سنوات بين الادعاءات الأولية وجلسات الاستماع الرسمية بشأن موضوع القضية.

 

هل يتعين على إسرائيل الالتزام بقرار المحكمة؟

تنص المادة 94 (1) من الفصل الرابع عشر من ميثاق الأمم المتحدة على أن “يتعهد كل عضو في الأمم المتحدة بالامتثال لقرار محكمة العدل الدولية في أي قضية يكون طرفا فيها”. وتنص المادة 94 (2) على أنه في حالة عدم الامتثال، “يجوز لمجلس الأمن، إذا رأى ضرورة لذلك، أن يقدم توصيات أو يقرر التدابير التي يتعين اتخاذها لتنفيذ الحكم”.

علاوة على ذلك، يمكن للطرف الذي يشعر بوجود عدم امتثال لحكم محكمة العدل الدولية أن يعرض ذلك أيضًا على الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب المواد 10 و11 و14 و22 و35 من الميثاق، وأيضا فيما يتعلق بأحكام القرار 377 المعروفة عموما باسم “الاتحاد من أجل السلام”.

ومن واجب الأمين العام للأمم المتحدة أيضًا ضمان الامتثال للحكم عملاً بالمادتين 98 و99 من ميثاق الأمم المتحدة.

ومع ذلك، يوجد نقص ملحوظ في التنفيذ الفعال لأوامر محكمة العدل الدولية، وقد رأينا الدول تتجاهل محكمة العدل الدولية بشكل متزايد. ومن بين القضايا التوضيحية قضية لاجراند، التي استمعت إليها محكمة العدل الدولية في عام 2001. فقد انحازت المحكمة إلى طلب ألمانيا تعليق عقوبة الإعدام بحق المواطنين الألمان المحتجزين في الولايات المتحدة. ومن خلال اعتبار التدابير المؤقتة ملزمة قانونًا، حاولت محكمة العدل الدولية ممارسة سلطتها. ومع ذلك، اختارت الولايات المتحدة تجاهل أوامر المحكمة هذه وإعدام المواطنين الألمان، في تحدٍ لأوامر محكمة العدل الدولية. ولم يكن هناك أي تداعيات أو توبيخ حقيقي نتيجة لعدم امتثالها.

وفي الآونة الأخيرة، في مارس/آذار 2022، أمرت المحكمة روسيا بتعليق غزوها المستمر لأوكرانيا ردًا على طلب أوكرانيا اتخاذ تدابير مؤقتة في قضيتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية أمام محكمة العدل الدولية. ومن الواضح أن هذا لم يحدث، لكن عددًا من الدول فرضت عقوبات على روسيا بسبب الغزو غير القانوني. إذا اختارت إسرائيل عدم الامتثال لأي حكم من محكمة العدل الدولية، يمكننا أن نأمل أن تنفذ الدول العقوبات أو تستخدم أساليب أخرى كتوبيخ لعدم الامتثال، ولكن ليس هناك ضمان مطلق.

غير أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن أمر محكمة العدل الدولية ملزم قانونًا للأطراف، وتجاهله يضع عبئًا كبيرًا على الدولة غير الممتثلة له. بالإضافة إلى ذلك، تاريخيًا، واجهت الدول المتهمة بالإبادة الجماعية عزلة دولية، مما أثر على العلاقات الدبلوماسية والدعم، نظرًا لأن الإبادة الجماعية تعتبر “جريمة الجرائم”.

 

هل يستطيع مجلس الأمن استخدام حق النقض ضد قرار محكمة العدل الدولية؟

لا، لا يمكن لدولة ما أن تستخدم حق النقض ضد قرار محكمة العدل الدولية لأن هذه القرارات تنشئ التزامات ملزمة قانونًا. ومع ذلك، يتمتع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بناءً على طلب الدولة المتضررة، بسلطة اتخاذ تدابير خاصة لإنفاذ الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية (المادة 94 (2) من ميثاق الأمم المتحدة). ونظرًا لدعم الولايات المتحدة المستمر وغير المشروط على ما يبدو لإسرائيل، لا يمكننا أن نتوقع أي إجراء من مجلس الأمن الدولي.

لتحميل ملف ملخص القضية والأسئلة الشائعة رجاء النقر هنا

للوصول إلى الملف الكامل والمؤلف من 84 صفحة والذي قدمته جنوب أفريقيا، رجاء النقر هنا

___________________________________

قضية الإبادة الجماعية في غزة: ملخص شامل لمعركة جنوب أفريقيا القانونية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية ... ملخص القضية والأسئلة الشائعة، القانون من أجل فلسطين، 10 يناير 2024، https://2u.pw/cadbm0b

Post Gallery

الاجتهاد والإرشاد والاتحاد في فكر الشيخ محمد رشيد رضا وحركته الإصلاحية (1-2)*

الجمعية الدولية لعلماء الإبادة: سياسات إسرائيل في غزة ترقى إلى الإبادة الجماعية

أثر الفقه الإسلامي في القانون المدني الفرنسي*

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة: جهود لجنة تقنين الشريعة الإسلامية بمجلس الشعب المصري

المجاعة في غزة… إعلان أممي قد يجرّ قادة الاحتلال إلى المحاكمة

المرأة والتطور السياسي في الوطن العربي بين الواقع الحاضر وآفاق المستقبل*

حالة الاستثناء: الإنسان الحرام

خمسون مفكرًا أساسيًا معاصرًا: من البنيوية إلى ما بعد الحداثة*

الفقه الإسلامي: المصدر الرئيسي للتشريع*